هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (?) ، وقوله: {وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} (?) ، فإنَّ هذه

المعية تقتضي علمَه واطِّلاعه ومراقبته لأعمالهم، فهي مقتضيةٌ لتخويف العباد منه،

والمعية الأولى تقتضي حفظ العبد وحياطَتَه ونصرَه، فمن حفظ الله، وراعى حقوقه، وجده أمامَه وتُجاهه على كُلِّ حالٍ، فاستأنس به، واستغنى به عن خلقه،

كما في حديث: ((أفضلُ الإيمان أنْ يعلمَ العبدُ أنَّ الله معه حيث كان)) (?) وقد

سبق.

ورُويَ عن بُنان الحمَّال: أنَّه دخل البريَّةَ وحدَه على طريق تبوك، فاستوحش، فهتف به هاتف: لِمَ تستوحش؟ أليس حبيبُك معك؟ (?)

وقيل لبعضهم: ألا تستوحشُ وحدَك؟ فقال: كيف أستوحش، وهو يقول:

((أنا جليسُ مَنْ ذكرني)) (?) ،

وقيل لآخر: نراكَ وحدكَ؟ فقال: من يكن الله معه، كيف يكونُ وحده؟ ، وقيل لآخر: أما مَعَكَ مؤنسٌ؟ قال: بلى، قيل له: أين هو؟ قال: أمامي (?) ، وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، وفوقي. وكان الشبلي

ينشد:

إذا نَحْنُ أدلَجْنَا وأنت أمامَنا ... كَفَى لِمَطايَانا بذِكرك هاديا (?)

قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((تعرَّف إلى الله في الرَّخاء، يعرفكَ في الشِّدَّةِ)) يعني: أنَّ العبدَ إذا اتَّقى الله، وحَفِظَ حدودَه، وراعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرَّف بذلك إلى الله، وصار بينه وبينَ ربه معرفةٌ خاصة، فعرفه ربَّه في الشدَّة، ورعى له تَعَرُّفَهُ إليه في الرَّخاء، فنجَّاه من الشدائد بهذه المعرفة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015