وهذا هو عينُ التكليف له بقطع الغضب، فكيف يقال: إنَّه غيرُ مكلَّف في حال غضبه بما يصدر منه.
وقال عطاءُ بنُ أبي رباح: ما أبكى العلماءَ بكاء آخرِ العمرِ من غضبة يغضبُها أحدُهُم فتهدِمُ عملَ خمسين سنة، أو ستين سنة، أو سبعين سنة، وربَّ غضبة قد أقحمت صاحبها مقحماً ما استقاله. خرَّجه ابن أبي الدنيا.
ثم إنَّ من قال مِن السَّلف: إنَّ الغضبان إذا كان سببُ غضبه مباحاً، كالمرض، أو السفرِ، أو طاعةٌ كالصَّوْم لا يُلام عليه إنَّما مرادُه أنَّه لا إثمَ عليه إذا كان مما يقع منه في حال الغضب كثيراً من كلام (?) يُوجِبُ تضجراً أو سباً ونحوه كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما أنا بَشَرٌ أرضى كما يرضي البَشَرُ، وأغْضَبُ كما يَغْضَبُ البشر، فأيُّما مسلم سببتُه أو جلدتُه، فاجعلها له كفارةً)) (?) .
فأما ما كان من كفر، أو ردَّةٍ، أو قتل نفس، أو أخذ مالٍ بغير حقٍّ ونحو ذلك، فهذا لا يشكُّ مسلم أنَّهم لم يُريدوا أنَّ الغضبانَ لا يُؤاخذُ به، وكذلك ما يقعُ من الغضبان من طلاقٍ وعَتاقٍ، أو يمينٍ، فإنَّه يُؤاخَذُ بذلك كُلِّه بغيرِ خلافٍ (?) . وفي " مسند الإمام أحمد " (?)
عن خويلة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أنَّها راجعت زوجَها، فغَضِبَ، فظاهر منها، وكان شيخاً كبيراً قد ساء خُلُقُه وضَجِرَ، وأنَّها جاءت إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فجعلت تشكو إليه ما تلقى من سوء خلقه، فأنزل الله آيةَ (?) الظهار، وأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكفارة الظِّهار في قصة طويلة، وخرَّجها ابن أبي حاتم (?) من وجه آخر، عن أبي العالية: أنَّ خُويلة غضب زوجها فظاهر منها، فأتت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرته بذلك، وقالت: إنَّه لم يُرِدِ الطلاقَ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: