وقد رُوي ذلك مرفوعاً، خرَّجه محمدُ بن نصر المروزي في كتاب " الصلاة " (?) من حديث أبي العلاء بنِ الشِّخِّير: أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِن قِبَلِ وجهه، فقالَ: يا رسولَ الله أيُّ العملِ أفضلُ؟ قالَ: ((حُسْنُ الخلق)) ثُمَّ أتاه عن يمينه، فقالَ: يا رسول الله، أيُّ العمل أفضل؟ قال: ((حسنُ الخُلُقِ)) ، ثم أتاه عن شِماله، فقال: يا رسول الله، أيُّ العمل أفضل؟ قال: ((حسنُ الخُلُقُ)) ، ثم أتاه من بعده، يعني: من خلفه، فقال: يا رسولَ الله أيُّ العملِ أفضلُ؟ فالتفت إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((مالك لا تَفْقَهُ! حسْنُ الخُلُقِ هو أنْ لا تَغْضَبَ إنِ استطعْتَ)) . وهذا مرسل.
فقولُه - صلى الله عليه وسلم - لمن استوصاه: ((لا تَغْضَبْ)) يحتَمِلُ أمرين:
أحدُهما: أنْ يكونَ مرادُه الأمرَ بالأسباب التي توجب حُسْنَ الخُلُقِ من الكرم والسخاء والحلمِ والحياء والتواضع والاحتمال وكفِّ الأذى، والصفح والعفو، وكظم الغيظ، والطَّلاقةِ والبِشْرِ، ونحوِ ذلك من الأخلاق الجميلة، فإنَّ النفسَ إذا تخلَّقت بهذه الأخلاق، وصارت لها عادة أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه.
والثاني: أنْ يكونَ المرادُ: لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حَصَل لك، بل جاهد نفسَك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به، فإنَّ الغضب إذا ملك ابنَ آدم كان كالآمر والناهي له (?) ، ولهذا المعنى قال الله - عز وجل -: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} (?) فإذا لم يمتثل الإنسانُ ما يأمره به غضبُه، وجاهد نفسه على ذلك، اندفع عنه شرُّ الغضب، وربما سكن غَضَبُهُ، وذهب عاجلاً، فكأنَّه حينئذٍ لم يغضب،