والثاني: من يعتقدُها على غيرِ ما هي عليه، ودل كلامُه على أنَّ غير هؤلاء

يعلمها، ومرادُه أنَّه يعلمها على ما هي عليه في نفس الأمر من تحليل أو تحريم، وهذا من أظهر الأدلة على أنَّ المصيبَ عند الله في مسائل الحلال والحرام المشتبهة المختلفِ (?) فيها واحدٌ عند الله - عز وجل -، وغيره ليس بعالم بها، بمعنى أنَّه غيرُ مصيب لحكم الله فيها في نفس الأمر، وإنْ كان يعتقدُ فيها اعتقاداً يستندُ فيه إلى شبهة يظنُّها دليلاً، ويكون مأجوراً على اجتهاده، ومغفوراً له خطؤه لعدم اعتماده.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فمن اتَّقى الشُّبهاتِ، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ، وقع في الحرام)) قسَّم الناس في الأمور المشتبهة إلى قسمين، وهذا إنَّما هو بالنسبة إلى من هي مشتبهة عليه، وهو ممن لا يعلمها، فأمَّا مَنْ كان عالماً بها، واتَّبع ما دلَّه علمهُ عليها، فذلك قسمٌ ثالثٌ، لم يذكره لظهور حكمه، فإنَّ هذا القسم أفضلُ الأقسام الثلاثةِ؛ لأنَّه عَلِمَ حكمَ الله في هذه الأمور المشتبهة على النَّاس (?) ، واتَّبع علمَه في ذلك. وأما من لم يعلم حكم الله فيها، فهم قسمان: أحدهما من يتقي هذه الشبهات؛ لاشتباهها عليه، فهذا قد استبرأ لدينه وعرضه.

ومعنى استبرأ: طلب البراءة لدينه وعرضه (?) مِنَ النَّقْص والشَّين، والعرض: هو موضعُ المدح والذمِّ من الإنسان، وما يحصل له بذكره بالجميل مدحٌ، وبذكره بالقبيح قدحٌ، وقد يكون ذلك تارةً في نفس الإنسان، وتارةً في سلفه، أو في أهله، فمن اتَّقى الأمور المشتبهة واجتنبها، فقد حَصَّنَ عِرْضَهُ مِنَ القَدح والشَّين الداخل على من لا يجتنبها، وفي هذا دليل على أنَّ من ارتكب الشُّبهات، فقد عرَّض نفسه للقدح فيه والطَّعن، كما قال بعض السَّلف: من عرَّض نفسه للتُّهم، فلا يلومنَّ من أساء به الظنَّ (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015