وقوله: ((فيما يبدو للناس)) إشارةٌ إلى أنَّ باطنَ الأمر يكونُ بخلافِ ذلك، وإنَّ خاتمة السُّوءِ تكونُ بسبب دسيسةٍ باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سُوءَ الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرجلُ عملَ أهل النَّارِ وفي باطنه خصلةٌ خفيةٌ من خصال الخير، فتغلب عليه تلكَ الخصلةُ في آخر عمره، فتوجب له حسنَ الخاتمة.
قال عبد العزيز بن أبي روَّاد: حضرت رجلاً عند الموت يُلَقَّنُ لا إله
إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافرٌ بما تقول، ومات على ذلك، قال: فسألتُ عنه، فإذا هو مدمنُ خمرٍ. فكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب، فإنَّها هي التي أوقعته.
وفي الجملة: فالخواتيم ميراثُ السوابق، وكلُّ ذلك سبق في الكتاب السابق، ومن هنا كان يشتدُّ خوف السَّلف من سُوءِ الخواتيم، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق.
وقد قيل: إنَّ قلوب الأبرار معلقةٌ بالخواتيم، يقولون: بماذا يختم لنا؟ وقلوب المقرَّبين معلقة بالسوابق، يقولون: ماذا سبق لنا.
وبكى بعضُ الصحابة عند موته، فسئل عن ذلك، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّ الله تعالى قبضَ خلقَهُ قبضتين، فقال: هؤلاء في الجنَّةِ، وهؤلاء في النار)) ، ولا أدري في أيِّ القبضتين كنت. (?)
قال بعض السَّلف: ما أبكى العيون ما أبكاها الكتاب السابق.