ومن المتأخرين من رجَّح أنَّ الكتابة تكونُ في أوَّل الأربعين الثانية، كما دلَّ عليه حديث حذيفة بن أسيد، وقال: إنَّما أخر ذكرها في حديث ابن مسعود إلى ما بعد ذكر المضغة، وإنْ ذكرت بلفظ ((ثم)) لئلا ينقطع ذكرُ الأطوار الثلاثة التي يتقلب فيها الجنين وهي كونه: نطفة وعلقة ومضغة، فإنَّ ذكر هذه الثلاثة على نسق واحد أعجبُ وأحسنُ، ولذلك أخَّر المعطوف عليها، وإنْ كان المعطوف (?) متقدماً على بعضها في الترتيب (?) ، واستشهد لذلك بقوله تعالى: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} (?) ، والمراد بالإنسان: آدم - عليه السلام - (?) ، ومعلومٌ أنَّ تسويته، ونفخ الرُّوح فيه، كان قبل (?) جعلِ نسلِهِ من سُلالة من ماء مهين، لكن لما كان المقصود ذكر قدرة الله - عز وجل - في مبدأ خلق آدم وخلق نسله، عطف أحدهما على الآخر، وأخَّر ذكرَ تسوية آدم ونفخ الرُّوح فيه، وإنْ (?) كان ذلك متوسطاً بين خلق آدم من طين وبين خلق نسله، والله أعلم.
وقد ورد أنَّ هذه الكتابة تكتب بين عيني الجنين، ففي " مسند البزار " (?) عن
ابن عمر رضي الله عنهما، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا خلَقَ الله النسمةَ، قال مَلَكُ
الأرحام: أي ربِّ أذكرٌ أم أنثى؟ قالَ: فيقْضِي الله إليه أمره، ثُمَّ يقول: أي ربِّ
أشقيٌّ أم سعيدٌ؟ فيقضي الله إليه أمره، ثُمَّ يكتب بَيْنَ عينيه ما هوَ لاقٍ حتَّى النَّكبة يُنكَبُها)) .
وقد رُوي موقوفاً على ابن عمر (?) غير مرفوع، وحديثُ حذيفةَ بن أسيد المتقدم صريحٌ في أنَّ الملك يكتبُ ذلك في صحيفةٍ،