فيجعلُ بعضَها للجلد، وبعضها للحم، وبعضها للعظام، فيقدِّر ذلك كلَّه قبل وجوده. وهذا خلافُ ظاهر الحديث، بل ظاهرُه أنَّه يصوِّرها ويخلُق هذه الأجزاء كلها، وقد يكونُ خلقُ ذلك بتصويره وتقسيمه قبل وُجودِ اللحم والعظام، وقد يكون هذا في بعض الأجِنَّةِ دُونَ بعض.
وحديث مالكِ بنِ الحويرث المتقدِّم يدلُّ على أنَّ التصويرَ يكونُ للنُّطفة أيضاً في اليوم السابع، وقد قال الله - عز وجل -: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} (?) وفسَّرَ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ أمشاجَ النُّطفةِ بالعُروقِ التي فيها (?) . قال ابن مسعود: أمشاجها: عروقها (?) .
وقد ذكر علماء أهل الطبِّ ما يُوافق ذلك، وقالوا: إنَّ المنيَّ إذا وقعَ في
الرحم، حصل له زَبَديَّةٌ ورغوةٌ ستَّةَ أيَّامٍ أو سبعة، وفي هذه الأيام تصوَّرُ النطفةُ مِنْ
غير استمداد من الرحم، ثم بعدَ ذلك تستمد منه، وابتداء الخطوط والنقط بعد هذا
بثلاثة أيام، وقد يتقدَّم يوماً ويتأخَّر يوماً (?) ، ثم بعدَ ستة أيام - وهو الخامس عشر من وقت العلوق - ينفُذُ الدم إلى الجميع فيصير علقة، ثم تتميَّز الأعضاءُ تميزاً ظاهراً، ويتنحَّى بعضُها عن مُماسَّةِ بعضٍ، وتمتدُّ رطوبةُ النُّخاع، ثم بعد تسعةِ أيام ينفصلُ
الرأسُ عن المنكبين، والأطراف عن الأصابع تميزاً يتبين في بعضٍ، ويخفى في بعضٍ.
قالوا: وأقلّ مدَّة يتصوَّر الذكر فيها ثلاثون يوماً، والزمان المعتدل في تصوُّرِ الجنين خمسة وثلاثون يوماً (?) ، وقد يتصوَّر في خمسة وأربعين يوماً.
قالوا: ولم يوجد في الأسقاط ذَكَرٌ تَمَّ قبل ثلاثين يوماً، ولا أنثى قبل أربعين يوماً (?) ، فهذا يوافق ما دلَّ عليه حديثُ حذيفةَ بن أسيدٍ في التخليق في الأربعين الثانية، ومصيره لحماً فيها أيضاً.
وقد حَمل بعضُهم حديث ابن مسعود على أنَّ الجنين يغلِبُ عليه في الأربعين