والقسم الثاني: التحريم المؤبَّد على الاجتماع دونَ الانفراد، وتحريمُه يختصُّ الرجال لاستحالة إباحةِ جمع المرأة بينَ زوجين، فكلُّ امرأتين بينهما رَحِمٌ محرم يحرِّم الجمع بينهما بحيث لو كانت إحداهما ذكراً لم يجز له التزوُّج بالأخرى، فإنَّه يحرم الجمعُ بينهما بعقد النكاح. قال الشعبي: كان أصحابُ محمد - صلى الله عليه وسلم - يقولون: لا يجمعُ الرجلُ بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلاً لم يصلح له أنْ يتزوَّجها. وهذا إذا كان التحريم لأجل النَّسب، وبذلك فسَّره سفيان الثوري وأكثرُ العلماء، فلو كان لغير النسب مثل أنْ يجمع بينَ زوجة رجل وابنته من غيرها، فإنَّه يُباحُ عند الأكثرين، وكرهه بعضُ السَّلف.
فإذا علم ما يحرم من النَّسب، فكلّ ما يحرم منه، فإنَّه يحرم من الرضاع نظيرُه، فيحرم على الرجل أنْ يتزوَّج أمهاتِه من الرضاعة وإنْ عَلَونَ، وبناته من الرضاعة وإنْ سَفَلن، وأخواته من الرضاعة، وبنات أخواته من الرضاعة وعماته وخالاته من
الرضاعة، وإنْ علون دون بناتهن.
ومعنى هذا أنَّ المرأة إذا أرضعت طفلاً الرَّضاع المعتبرَ في المدَّة المعتبرة، صارت
أمّاً له بنصِّ كتاب الله، فتحرمُ عليه هي وأمَّهاتُها، وإنْ علون من نسبٍ أو رضاعٍ، وتصيرُ بناتُها كلُّهن أخواتٍ له من الرضاعة، فيحرمن عليه بنصِّ القرآن (?) ؛ وبقيةُ
التحريم من الرضاعة استفيدَ مِن السُّنَّةِ، كما استفيدَ من السُّنَّة أنَّ تحريم الجمع لا يختصُّ بالأختين، بل المرأةُ وعمَّتها، والمرأة وخالتها كذلك (?) ، وإذا كانَ أولادُ
المرضعة من نسب أو رضاعٍ إخوةً للمرتضع، فيحرُم عليهِ بناتُ إخوته أيضاً،