وهذا أيضاً مما يدخل في قوله - عليه السلام -: ((فما بقي فلأَوْلى رجلٍ ذكرٍ)) .
والتحقيقُ في ذلك: أنَّ كلَّ ما دلَّ عليه القرآن، ولو بالتَّنبيه، فليس هو ممَّا أبقته الفرائض، بل هو من إلحاق الفرائض المذكورة في القرآن بأهلها، كتوريثِ الأولاد ذكورهم وإناثهم الفاضل عن الفُروض، للذَّكر مثلُ حظِّ الأنثيين، وتوريث الإخوة ذكورهم وإناثهم كذلك، ودلَّ ذلك بطريق التَّنبيه على أنَّ الباقي يأخذُه الذَّكرُ منهم عند الانفراد بطريق الأولى، ودلَّ أيضاً بالتَّنبيه على أنَّ الأخت تأخذُ الباقي مع البنت كما كانت تأخذُه مع أخيها، ولا يُقدَّمُ عليها من هو أبعدُ منها، كابن الأخ والعم وابنه، فإنَّ أخاها إذا لم يُسقطها فكيف يُسقِطها من هو أبعدُ منه؟ فهذا كلُّه من باب إلحاق الفرائض بأهلها، ومن باب قسمة المال بين أهلِ الفرائض على كتاب الله.
وأمَّا مَنْ لم يذكر باسمه مِنَ العصبات في القرآن، كابن الأخ والعم وابنه، وإنَّما دخل في عمومات مثل قوله تعالى: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} (?) ، وقوله: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالأَقْرَبُونَ} (?) ، فهذا يحتاج في توريثهم إلى هذا الحديث، أعني حديث ابن عباس، فإذا لم يُوجَدْ للمال وارثٌ غيرهم، انفردوا به، ويقدَّم منهمُ الأقربُ فالأقربُ؛ لأنَّه أولى رجلٍ ذكرٍ (?) ، وإنْ وُجِدَت فروضٌ لا تستغرقُ المالَ، كأحدِ الزوجين أو الأم، أو ولد الأمِّ، أو بناتٍ منفردات، أو أخوات منفردات، فالباقي كلُّه لأولى ذكر من هؤلاء. ولهذا لو كان هؤلاء إخوةً رجالاً ونساءً، لاختصَّ به رجالُهم دون نسائهم، بخلاف الأولاد والإخوة، فإنَّه يشترك في الباقي، أو في المال كلِّه ذكورهم وإناثهم بنص القرآن، والحديث إنَّما دلَّ على توريث العصبات الذين يختصّ ذكورهم دون إناثهم، وهم مَنْ عدا الأولاد والإخوة،