أَصْحَابُنَا: إِنْ تَنَاوَلَهُ لِحَاجَةِ التَّدَاوِي بِهِ، وَكَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ جَازَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمَّا وَقَعَتِ الْأَكِلَةُ فِي رِجْلِهِ، وَأَرَادُوا قَطْعَهَا، قَالَ لَهُ الْأَطِبَّاءُ: نَسْقِيكَ دَوَاءً حَتَّى يَغِيبَ عَقْلُكَ، وَلَا تُحِسَّ بِأَلَمِ الْقَطْعِ، فَأَبَى، وَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ خَلْقًا يَشْرَبُ شَرَابًا يَزُولُ مِنْهُ عَقْلُهُ حَتَّى لَا يَعْرِفَ رَبَّهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَشْرَبُ شَيْئًا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ ذِكْرِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ. وَإِنْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ حَاجَةِ التَّدَاوِي، فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا كَالْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، وَصَاحِبِ " الْمُغْنِي ": إِنَّهُ مُحَرَّمٌ، لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى إِزَالَةِ الْعَقْلِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَحَرُمَ كَشُرْبِ الْمُسْكِرِ، وَرَوَى حَنَشٌ الرَّحَبِيُّ - وَفِيهِ ضَعْفٌ - عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ شَرِبَ شَرَابًا يُذْهِبُ عَقْلَهُ، فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي " فُنُونِهِ ": لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ فِيهِ، وَالْخَمْرُ إِنَّمَا حُرِّمَتْ لِمَا فِيهَا مِنَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، وَلَا إِطْرَابَ فِي الْبِنْجِ وَنَحْوِهِ وَلَا شِدَّةَ. فَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ: لَوْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَسَكِرَ بِهِ، فَطَلَّقَ، فَحُكْمُ طَلَاقِهِ حُكْمُ طَلَاقِ السَّكْرَانِ، قَالَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا كَابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَعَلَّلُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لَذَّةٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُحَرِّمُوهُ. وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: هُوَ مُحَرَّمٌ، وَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ مَعَهُ وَجْهَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ إِلْزَامًا لِلْحَنَفِيَّةِ، لَا اعْتِقَادًا لَهُ، وَسِيَاقُ كَلَامِهِ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ.