مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِمَّا اجْتَمَعَ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ. وَخَالَفَ فِيهِ طَوَائِفُ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْخَمْرَ إِنَّمَا هِيَ خَمْرُ الْعِنَبِ خَاصَّةً، وَمَا عَدَاهَا، فَإِنَّمَا يَحْرُمُ مِنْهُ الْقَدْرُ الَّذِي يُسْكِرُ، وَلَا يَحْرُمُ مَا دُونَهُ، وَمَا زَالَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي ذَلِكَ مُجْتَهِدِينَ مَغْفُورًا لَهُمْ، وَفِيهِمْ خَلْقٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَا وَجَدْتُ فِي النَّبِيذِ رُخْصَةً عَنْ أَحَدٍ صَحِيحٍ إِلَّا عَنْ إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِي النَّخَعِيَّ، وَكَذَلِكَ أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ يَصِحُّ، وَقَدْ صَنَّفَ كِتَابَ " الْأَشْرِبَةِ " وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الرُّخْصَةِ، وَصَنَّفَ كِتَابًا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَذَكَرَ فِيهِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ إِنْكَارَهُ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ لَمْ تَجْعَلْ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ الرُّخْصَةَ كَمَا جَعَلَتْ فِي الْمَسْحِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِي الرُّخْصَةِ فِي السُّكْرِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ إِنَّمَا نَزَلَ فِي الْمَدِينَةِ بِسَبَبِ سُؤَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَمَّا عِنْدَهُمْ مِنَ الْأَشْرِبَةِ، وَلَمْ يَكُنْ بِهَا خَمْرُ الْعِنَبِ، فَلَوْ لَمْ