الْأَبَوَانِ مِنْ مِيرَاثِهِ تَأْخُذُ الْأُمُّ ثُلُثُهُ فَرْضًا، وَالْبَاقِي يَأْخُذُهُ الْأَبُ بِالتَّعْصِيبِ، وَهَذَا مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ بِهِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَ إِلَيْهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِلْأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دِينٌ} [النساء: 11] يَعْنِي: لِلْأُمِّ السُّدُسُ مَعَ الْإِخْوَةِ مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ الْمَوْرُوثَةِ الَّتِي يَقْتَسِمُهَا الْوَرَثَةُ، وَلَمْ يُذْكَرْ هُنَا مِيرَاثُ الْأَبِ مَعَ الْأُمِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ أُمٌّ وَإِخْوَةٌ لَيْسَ مَعَهُمْ أَبٌ، فَإِنَّ لِلْأُمِّ السُّدُسَ، وَالْبَاقِي لِلْإِخْوَةِ وَيَحْجُبُهَا الْأَخَوَانِ فَصَاعِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ مَعَ الْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ أَبٌ، فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَحْجُبُ الْإِخْوَةُ الْأُمَّ وَلَا يَرِثُونَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ يَرِثُونَ السُّدُسَ الَّذِي حَجَبُوا عَنْهُ الْأُمَّ بِالْفَرْضِ كَمَا يَرِثُ وَلَدُ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ بِالْفَرْضِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ خَاصَّةً، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْكَلَالَةِ فَقْدُ الْوَالِدِ، فَيَرِثُ الْإِخْوَةُ مَعَ الْأَبِ بِالْفَرْضِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ: إِذَا كَانَ الْإِخْوَةُ مَحْجُوبِينَ بِالْأَبِ، فَلَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنْ شَيْءٍ، بَلْ لَهَا حِينَئِذٍ الثُّلُثُ، وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ: مَنْ لَا يَرِثُ لَا يُحْجَبُ، وَقَدْ قَالَ نَحْوَهُ أَحْمَدُ والْخَرْقِيُّ، لَكِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ يَحْمِلُونَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةٌ بِالْكُلِّيَّةِ، كَالْكَافِرِ وَالرَّقِيقِ، دُونَ مَنْ يَرِثُ لِانْحِجَابِهِ بِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يَشْهَدُ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِخْوَةَ إِذَا كَانُوا مَحْجُوبِينَ لَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَبَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ انْفِرَادِ الْأُمِّ مَعَ الْإِخْوَةِ، فَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ السُّدُسِ كُلَّهِ لَهُمْ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْإِخْوَةَ قَدْ يَكُونُونَ مِنْ أُمٍّ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ سِوَى الثُّلُثِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.