فَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا لَمْ يَرْجُ مَغْفِرَتَهُ مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَيَأْخُذُ بِهَا غَيْرُهُ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي» . الْحَدِيثَ.
وَقَوْلُهُ: «إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي» يَعْنِي: عَلَى كَثْرَةِ ذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ، وَلَا يَتَعَاظَمُنِي ذَلِكَ، وَلَا أَسْتَكْثِرُهُ، وَفِي " الصَّحِيحِ " عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيُعْظِمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمَهُ شَيْءٌ» . فَذُنُوبُ الْعَبْدِ وَإِنْ عَظُمَتْ فَإِنَّ عَفْوَ اللَّهِ وَمَغْفِرَتَهُ أَعْظَمُ مِنْهَا وَأَعْظَمُ، فَهِيَ صَغِيرَةٌ فِي جَنْبِ عَفْوِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ. وَفِي " صَحِيحِ الْحَاكِمِ " «عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَاذُنُوبَاهُ وَاذُنُوبَاهُ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلِ اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي، وَرَحْمَتُكَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي، فَقَالَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: عُدْ فَعَادَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: عُدْ، فَعَادَ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ» . وَفِي هَذَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ:
يَا كَبِيرَ الذَّنْبِ عَفْوُ الـ ... ــلَّهِ مِنْ ذَنْبِكَ أَكْبَرُ
أَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ فِي ... جَنْبِ عَفْوِ اللَّهِ يَصْغُرُ