قَالَ: مَا بَيْنَ تَرَدُّدِ النَّفْسِ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، فَبَكَى، وَقَالَ: يَقُولُ: يَتَنَفَّسُ فَيَخَافُ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ نَفْسُهُ، لَقَدْ كَانَ عَطْوَانُ مِنَ الْمَوْتِ عَلَى حَذَرٍ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا نِمْتُ نَوْمًا قَطُّ، فَحَدَّثْتُ نَفْسِي أَنِّي أَسْتَيْقِظُ مِنْهُ. وَكَانَ حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ يُوصِي كُلَّ يَوْمٍ بِمَا يُوصِي بِهِ الْمُحْتَضِرُ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ تَغْسِيلِهِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ يَبْكِي كُلَّمَا أَصْبَحَ أَوْ أَمْسَى، فَسُئِلَتِ امْرَأَتُهُ عَنْ بُكَائِهِ، فَقَالَتْ: يَخَافُ - وَاللَّهِ - إِذَا أَمْسَى أَنْ يُصْبِحَ، وَإِذَا أَصْبَحَ أَنْ يُمْسِيَ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ لِأَهْلِهِ: أَسَتُودِعُكُمُ اللَّهُ، فَلَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ مَنِيَّتِي الَّتِي لَا أَقُومُ مِنْهَا فَكَانَ هَذَا دَأْبَهُ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ. وَقَالَ بَكْرٌ الْمُزَنِيُّ: إِنِ اسْتَطَاعَ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَبِيتَ إِلَّا وَعَهْدُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ مَكْتُوبٌ، فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِ الدُّنْيَا، وَيُصْبِحُ فِي أَهْلِ الْآخِرَةِ. وَكَانَ أُوَيْسٌ إِذَا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ الزَّمَانُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: كَيْفَ الزَّمَانُ عَلَى رَجُلٍ إِنْ أَمْسَى ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُصْبِحُ، وَإِنْ أَصْبَحَ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُمْسِي فَيُبَشَّرُ بِالْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ؟ . وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَا أَنْزَلَ الْمَوْتَ كُنْهَ مَنْزِلَتِهِ مَنْ عَدَّ غَدًا مِنْ أَجْلِهِ، كَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْمًا يَسْتَكْمِلُهُ، وَكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ لِغَدٍ لَا يُدْرِكُهُ، إِنَّكُمْ لَوْ رَأَيْتُمُ الْأَجَلَ وَمَسِيرَهُ، لَبَغَضْتُمُ الْأَمَلَ وَغُرُورَهُ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أَنْفَعِ أَيَّامِ الْمُؤْمِنَ لَهُ فِي الدُّنْيَا مَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ آخِرَهُ.