وَطَنِهِ، فَلَا يُنَافِسُ أَهْلَ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ غَرِيبٌ بَيْنَهُمْ فِي عِزِّهِمْ، وَلَا يَجْزَعُ مِنَ الذُّلِّ عِنْدَهُمْ، قَالَ الْحَسَنُ: الْمُؤْمِنُ كَالْغَرِيبِ لَا يَجْزَعُ مِنْ ذُلِّهَا، وَلَا يُنَافِسُ فِي عِزِّهَا، لَهُ شَأْنٌ، وَلِلنَّاسِ شَأْنٌ. لَمَّا خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُسْكِنَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أُهْبِطَا مِنْهَا وَوُعِدَا بِالرُّجُوعِ إِلَيْهَا، وَصَالَحُ ذَرِّيَّتِهِمَا، فَالْمُؤْمِنُ أَبَدًا يَحِنُّ إِلَى وَطَنِهِ الْأَوَّلِ، وَحُبُّ الْوَطَنِ مِنَ الْإِيمَانِ، كَمَا قِيلَ:
كَمْ مَنْزِلٍ لِلْمَرْءِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى ... وَحَنِينُهُ أَبَدًا لِأَوَّلِ مَنْزِلِ
وَلِبَعْضِ شُيُوخِنَا:
فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا ... مَنَازِلُكَ الْأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ
وَلَكِنَّنَا سَبْيُ الْعَدُوِّ فَهَلْ تَرَى ... نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنَسْلَمُ
وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الْغَرِيبَ إِذَا نَأَى ... وَشَطَّتْ بِهِ أَوْطَانُهُ فَهُوَ مُغْرَمُ
وَأَيُّ اغْتِرَابٍ فَوْقَ غُرْبَتِنَا الَّتِي ... لَهَا أَضْحَتِ الْأَعْدَاءُ فِينَا تَحَكَّمُ
كَانَ عَطَاءٌ السُّلَيْمِيُّ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ فِي الدُّنْيَا غُرْبَتِي، وَارْحَمْ فِي الْقَبْرِ وَحْشَتِي، وَارْحَمْ مَوْقِفِي غَدًا بَيْنَ يَدَيْكَ. «قَالَ الْحَسَنُ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ