وَأَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ اخْتَلَفُوا فِي إِكْرَاهِ الرَّجُلِ عَلَى الزِّنَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ إِكْرَاهُهُ عَلَيْهِ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَابْنُ عَقِيلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ إِكْرَاهُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْإِثْمُ وَالْحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْصُوصُ أَحْمَدَ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ التَّقِيَّةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَقْوَالِ، وَلَا تَقِيَّةَ فِي الْأَفْعَالِ، وَلَا إِكْرَاهَ عَلَيْهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَرُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ أَيْضًا. وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ سَرَقَ مُكْرَهًا، حُدَّ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا، ثُمَّ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ، فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُخْتَارِ لِشُرْبِهَا أَمْ لَا؟ بَلْ يَكُونُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ لَغْوًا؟ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ فِيمَنْ قِيلَ لَهُ: اسْجُدْ لِصَنَمٍ وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ، قَالَ: إِنْ كَانَ الصَّنَمُ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ فَلْيَسْجُدْ، وَيَجْعَلْ نِيَّتَهُ لِلَّهِ، وَإِنْ كَانَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَلَا يَفْعَلْ وَإِنْ قَتَلُوهُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَجْعَلَ نِيَّتَهُ لِلَّهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] [الْبَقَرَةِ: 115] ، وَفِي الشَّرْعِ إِبَاحَةُ التَّنَفُّلِ لِلْمُسَافِرِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَقْوَالِ، فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَوْلٍ مُحَرَّمٍ إِكْرَاهًا مُعْتَبَرًا أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ نَفْسَهُ بِهِ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] [النَّحْلِ: 106] 0 «وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ: وَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» . وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ عَذَّبُوهُ حَتَّى يُوَافِقَهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015