وَفِي " الْمُسْنَدِ " عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَجِدُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلَّهِ وَيُبْغِضَ لِلَّهِ، فَإِذَا أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَحَقَّ وِلَايَةً مِنَ اللَّهِ، إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ عِبَادِي وَأَحِبَّائِي مِنْ خَلْقِي الَّذِينَ يُذْكَرُونَ بِذِكْرِي وَأُذْكَرُ بِذِكْرِهِمْ» . وَسُئِلَ الْمُرْتَعِشُ: بِمَ تُنَالُ الْمَحَبَّةُ؟ قَالَ: بِمُوَالَاةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَمُعَادَةِ أَعْدَائِهِ، وَأَصْلُهُ الْمُوَافَقَةُ. وَفِي " الزُّهْدِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: «قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ، مَنْ هُمْ أَهْلُكَ الَّذِينَ تُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّ عَرْشِكَ؟ قَالَ: يَا مُوسَى، هُمُ الْبَرِيئَةُ أَيْدِيهُمْ، الطَّاهِرَةُ قُلُوبُهُمْ، الَّذِينَ يَتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرْتُ ذُكِرُوا بِي، وَإِذَا ذُكِرُوا ذُكِرْتُ بِذِكْرِهِمْ، الَّذِينَ يُسْبِغُونَ الْوُضُوءَ فِي الْمَكَارِهِ، وَيُنِيبُونَ إِلَى ذِكْرِي كَمَا تُنِيبُ النُّسُورُ إِلَى وُكُورِهَا، وَيَكْلَفُونَ بِحُبِّي كَمَا يَكْلُفُ الصَّبِيُّ بِحُبِّ النَّاسِ، وَيَغْضَبُونَ لِمَحَارِمِي إِذَا اسْتُحِلَّتْ كَمَا يَغْضَبُ النَّمِرُ إِذَا حَرِبَ. قَوْلُهُ: فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا» ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «وَقَلْبَهُ الَّذِي يَعْقِلُ بِهِ، وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ» . الْمُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ: أَنَّ مَنِ اجْتَهَدَ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِالْفَرَائِضِ، ثُمَّ بِالنَّوَافِلِ، قَرَّبَهُ إِلَيْهِ، وَرَقَّاهُ مِنْ دَرَجَةِ الْإِيمَانِ إِلَى دَرَجَةِ الْإِحْسَانِ، فَيَصِيرُ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى الْحُضُورِ وَالْمُرَاقَبَةِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَيَمْتَلِئُ قَلْبُهُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَحَبَّتِهِ،