وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْرَى مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَجْوَعُ مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَظْمَأُ مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَنْصَبُ مَا كَانُوا قَطُّ، فَمَنْ كَسَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَسَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَطْعَمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَطْعَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ سَقَى لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَقَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ عَفَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْفَاهُ اللَّهُ.

وَخَرَّجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُشْرِفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، فَيُنَادِيهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ: يَا فُلَانُ، هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُكَ، مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي مَرَرْتَ بِي فِي دَارِ الدُّنْيَا، فَاسْتَسْقَيْتَنِي شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ، فَسَقَيْتُكَ، قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ، قَالَ: فَاشْفَعْ لِي بِهَا عِنْدَ رَبِّكَ، قَالَ: فَيَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَقُولُ: شَفِّعْنِي فِيهِ، فَيَأْمُرُ بِهِ، فَيُخْرِجُهُ مِنَ النَّارِ» .

وَقَوْلُهُ: «كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا قِيلَ فِي التَّيْسِيرِ وَالسِّتْرِ، وَقَدْ قِيلَ فِي مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ: إِنَّ الْكُرَبَ هِيَ الشَّدَائِدُ الْعَظِيمَةُ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، بِخِلَافِ الْإِعْسَارِ وَالْعَوْرَاتِ الْمُحْتَاجَةِ إِلَى السِّتْرِ، فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَكَادُ يَخْلُو فِي الدُّنْيَا مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ بِتَعَسُّرِ الْحَاجَاتِ الْمُهِمَّةِ. وَقِيلَ: لِأَنَّ كُرَبَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُرَبِ الْآخِرَةِ كَلَا شَيْءٍ، فَادَّخَرَ اللَّهُ جَزَاءَ تَنْفِيسِ الْكُرَبِ عِنْدَهُ، لِيُنَفِّسَ بِهِ كُرَبَ الْآخِرَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيُنْفِذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ، فَيَبْلُغُ النَّاسُ مِنَ الْغَمِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015