قَوْلًا مَرْجُوحًا، وَيَكُونُ مُجْتَهِدًا فِيهِ، مَأْجُورًا عَلَى اجْتِهَادِهِ فِيهِ، مَوْضُوعًا عَنْهُ خَطَؤُهُ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ الْمُنْتَصِرُ لِمَقَالَتِهِ تِلْكَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَنْتَصِرُ لِهَذَا الْقَوْلِ إِلَّا لِكَوْنِ مَتْبُوعِهِ قَدْ قَالَهُ، بِحَيْثُ إِنَّهُ لَوْ قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ، لَمَا قَبِلَهُ، وَلَا انْتَصَرَ لَهُ، وَلَا وَالَى مَنْ وَافَقَهُ، وَلَا عَادَى مَنْ خَالَفَهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يَظُنُّ أَنَّهُ إِنَّمَا انْتَصَرَ لِلْحَقِّ بِمَنْزِلَةِ مَتْبُوعِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَتْبُوعَهُ إِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ الِانْتِصَارَ لِلْحَقِّ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ، وَأَمَّا هَذَا التَّابِعُ فَقَدْ شَابَ انْتِصَارَهُ لِمَا يَظُنُّهُ الْحَقَّ إِرَادَةُ عُلُوِّ مَتْبُوعِهِ، وَظُهُورُ كَلِمَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إِلَى الْخَطَأِ، وَهَذِهِ دَسِيسَةٌ تَقْدَحُ فِي قَصْدِ الِانْتِصَارِ لِلْحَقِّ، فَافْهَمْ هَذَا، فَإِنَّهُ فَهْمٌ عَظِيمٌ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَقَوْلُهُ: «وَلَا تَدَابَرُوا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التَّدَابُرُ: الْمُصَارَمَةُ وَالْهُجْرَانُ، مَأْخُوذٌ مِنْ أَنْ يُوَلِّيَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ دُبُرَهُ، وَيُعْرِضَ عَنْهُ بِوَجْهِهِ، وَهُوَ التَّقَاطُعُ.
وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ» . وَخَرَّجَهُ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ، فَيَصُدُّ هَذَا، وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» .