وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ لِأَقْوَامٍ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدِنَا، إِنْ قَالُوا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ. وَقَالَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالُوا: إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ حِينَئِذٍ بِنَفْسِكَ، لَا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَ.
وَعَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: لَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ، إِذَا هَابَ الْوَاعِظُ، وَأَنْكَرَ الْمَوْعُوظُ، فَعَلَيْكَ حِينَئِذٍ بِنَفْسِكَ لَا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَ.
وَعَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، قَالَ: يَا لَهَا مِنْ ثِقَةٍ مَا أَوْثَقَهَا! وَمِنْ سَعَةٍ مَا أَوْسَعَهَا! .
وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ خَافَ الضَّرَرَ، سَقَطَ عَنْهُ، وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، كَمَا حُكِيَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مُرْ مَنْ تَرَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْكَ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يُنْكِرُ بِقَلْبِهِ: «وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ وَفَعَلَهَا، كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ تَرَكَهَا عَجْزًا عَنْهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ: «أَمَّا نُقْصَانُ دِينِهَا، فَإِنَّهَا تَمْكُثُ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ لَا تُصَلِّي يُشِيرُ إِلَى أَيَّامِ الْحَيْضِ» ، مَعَ أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنَ الصَّلَاةِ