دَعْوَى، فَأَنْكَرَ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكَرِ إِذَا كَانَ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ نَوْعُ مُخَالَطَةٍ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَبَذَّلَ السُّفَهَاءُ عَلَى الرُّؤَسَاءِ بِطَلَبِ أَيْمَانِهِمْ.
وَعِنْدَهُ: وَلَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ، أَوْ سَرَقَ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَّهَمًا بِذَلِكَ، لَمْ يَسْتَحْلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحُكِيَ أَيْضًا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ، أَوْ مِمَّنْ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، أُدِّبَ الْمُدَّعِي عِنْدَ مَالِكٍ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَحَلَفَ الْمُدَّعِيَ مَعَ بَيِّنَتِهِ أَنَّ شُهُودَهُ شَهِدُوا بِحَقٍّ، وَفَعَلَهُ أَيْضًا شُرَيْحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَوَّارٌ الْعَنْبَرِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَرُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَيْضًا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا اسْتَرَابَ الْحَاكِمُ، وَجَبَ ذَلِكَ.
وَسَأَلَ مُهَنَّا الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: قَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ لَهُ: أَيَسْتَقِيمُ هَذَا؟ فَقَالَ: قَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ، فَأَثْبَتَ الْقَاضِي هَذِهِ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، لَكِنَّهُ حَمَلَهَا عَلَى الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّبِيِّ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا حَلَّفَ الْمُدَّعِيَ مَعَ بَيِّنَتِهِ عَلَى الْحَاضِرِ مَعَهُ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: هَذِهِ الْيَمِينُ لِتَقْوِيَةِ الدَّعْوَى إِذَا ضَعُفَتْ بِاسْتِرَابَةِ الشُّهُودِ كَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ. وَكَانَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ يُحَلِّفُ الشُّهُودَ إِذَا اسْتَرَابَهُمْ أَيْضًا، وَمِنْهُمْ سَوَّارٌ الْعَنْبَرِيُّ قَاضِي الْبَصْرَةَ، وَجَوَّزَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ أَصْحَابِنَا لِوَالِي الْمَظَالِمِ دُونَ الْقُضَاةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْمَرْأَةِ الشَّاهِدَةِ عَلَى الرَّضَاعِ: إِنَّهَا تُسْتَحْلَفُ وَأَخَذَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى اسْتِحْلَافِ الشُّهُودِ عِنْدَ الِارْتِيَابِ بِشَهَادَتِهِمْ فِي الْوَصِيَّةِ