وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِضْرَارُ: فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.
وَالْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ تَارَةً يَكُونُ بِأَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى فَرْضِهِ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ لَهُ، فَيَتَضَرَّرُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِتَخْصِيصِهِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» .
وَتَارَةً بِأَنْ يُوصِيَ لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ، فَتَنْقُصُ حُقُوقُ الْوَرَثَةِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» .
وَمَتَى وَصَّى لِوَارِثٍ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ، لَمْ يُنَفَّذْ مَا وَصَّى بِهِ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ الْمُضَارَّةَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ، وَأَمَّا إِنْ قَصَدَ الْمُضَارَّةَ بِالْوَصِيَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ بِالثُّلُثِ، فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِقَصْدِهِ الْمُضَارَّةَ، وَهَلْ تُرَدَّ وَصِيَّتُهُ إِذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَمْ لَا؟ حَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُرَدُّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ قِيَاسُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
وَمِنْهَا: الرَّجْعَةُ فِي النِّكَاحِ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] [الْبَقَرَةِ: 231] ، وَقَالَ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228] [الْبَقَرَةِ: 228] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ قَصْدُهُ بِالرَّجْعَةِ الْمُضَارَّةَ، فَإِنَّهُ آثِمٌ بِذَلِكَ، وَهَذَا كَمَا كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ حَصْرِ الطَّلَاقِ فِي ثَلَاثٍ يُطَلِّقُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى يُقَارِبَ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا، ثُمَّ يُرَاجِعُهَا، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ أَبَدًا بِغَيْرِ نِهَايَةٍ، فَيَدَعُ الْمَرْأَةَ لَا مُطَلَّقَةً وَلَا مُمْسَكَةً، فَأَبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَحَصَرَ الطَّلَاقَ فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ.