قَوْمَتِي، يَعْنِي: أَنَّهُ يَنْوِي بِنَوْمِهِ التَّقَوِّي عَلَى الْقِيَامِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَيَحْتَسِبُ ثَوَابَ نَوْمِهِ كَمَا يَحْتَسِبُ ثَوَابَ قِيَامِهِ.
وَكَانَ بَعْضُهُمْ إِذَا تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ شَهَوَاتِهِ الْمُبَاحَةِ وَاسَى مِنْهَا إِخْوَانَهُ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا اشْتَهَى شَيْئًا لَمْ يَأْكُلْهُ حَتَّى يَشْتَهِيَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَيَأْكُلُهُ مَعَهُمْ، وَكَانَ إِذَا اشْتَهَى شَيْئًا، دَعَا ضَيْفًا لَهُ لِيَأْكُلَ مَعَهُ.
وَكَانَ يُذْكَرُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ فِي مَطْعَمِهِمْ: الْمُتَسَحِّرُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَطَعَامُ الضَّيْفِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ مِنْ حُبِّكَ الدُّنْيَا طَلَبُكَ مَا يُصْلِحُكَ فِيهَا، وَمِنْ زُهْدِكَ فِيهَا تَرْكُ الْحَاجَةِ يَسُدُّهَا عَنْكَ تَرْكُهَا، وَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَسَرَّتْهُ، ذَهَبَ خَوْفُ الْآخِرَةِ مِنْ قَلْبِهِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَتَاعُ الْغُرُورِ مَا يُلْهِيكَ عَنْ طَلَبِ الْآخِرَةِ، وَمَا لَمْ يُلْهِكَ، فَلَيْسَ بِمَتَاعِ الْغُرُورِ وَلَكِنَّهُ مَتَاعُ بِلَاغٍ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ: كَيْفَ لَا أُحِبُّ دُنْيَا قُدِّرَ لِي فِيهَا قُوتٌ أَكْتَسِبُ بِهَا حَيَاةً أُدْرِكُ بِهَا طَاعَةً أَنَالُ بِهَا الْآخِرَةَ.
وَسُئِلَ أَبُو صَفْوَانَ الرُّعَيْنِيُّ - وَكَانَ مِنَ الْعَارِفِينَ -: مَا هِيَ الدُّنْيَا الَّتِي ذَمَّهَا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَجَنَّبَهَا؟ فَقَالَ: كُلُّ مَا أَصَبْتَ فِي الدُّنْيَا تُرِيدُ بِهِ الدُّنْيَا، فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَكُلُّ مَا أَصَبْتَ فِيهَا تُرِيدُ بِهِ الْآخِرَةَ، فَلَيْسَ مِنْهَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: نِعْمَتُ الدَّارُ كَانَتِ الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَمِلَ قَلِيلًا، وَأَخَذَ زَادَهُ مِنْهَا إِلَى الْجَنَّةِ، وَبِئْسَتِ الدَّارُ كَانَتْ لِلْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَيَّعَ لَيَالِيَهُ، وَكَانَ زَادُهُ مِنْهَا إِلَى النَّارِ.
وَقَالَ أَيْفَعُ بْنُ عَبْدٍ الْكَلَاعِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، قَالَ اللَّهُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ؟