مِنْهَا عَلَى حَرَامٍ، صَبَرَ عَنْهُ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ، وَإِذَا حَصَلَ لَهُ مِنْهَا حَلَالٌ، لَمْ يَشْغَلْهُ عَنِ الشُّكْرِ، بَلْ قَامَ بِشُكْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحُوَارَى: قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: مَنِ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: مَنْ إِذَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ أُنْعِمَ عَلَيْهِ فَشَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ فَصَبَرَ، وَحُبِسَ النِّعْمَةَ، كَيْفَ يَكُونُ زَاهِدًا؟ فَقَالَ: اسْكُتْ، مَنْ لَمْ تَمْنَعْهُ النَّعْمَاءُ مِنَ الشُّكْرِ، وَلَا الْبَلْوَى مِنَ الصَّبْرِ، فَذَلِكَ الزَّاهِدُ.

وَقَالَ رَبِيعَةُ: رَأْسُ الزَّهَادَةِ جَمْعُ الْأَشْيَاءِ بِحَقِّهَا، وَوَضْعُهَا فِي حَقِّهَا.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قِصَرُ الْأَمَلِ، لَيْسَ بِأَكْلِ الْغَلِيظِ، وَلَا بِلُبْسِ الْعَبَاءِ. وَقَالَ: كَانَ مِنْ دُعَائِهِمْ: اللَّهُمَّ زَهِّدْنَا فِي الدُّنْيَا، وَوَسِّعْ عَلَيْنَا مِنْهَا، وَلَا تَزْوِهَا عَنَّا، فَتُرَغِّبْنَا فِيهَا. وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا: قِصَرُ الْأَمَلِ، وَقَالَ مَرَّةً: قِصَرُ الْأَمَلِ وَالْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ.

وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ قِصَرَ الْأَمَلِ يُوجِبُ مَحَبَّةَ لِقَاءِ اللَّهِ، بِالْخُرُوجِ مِنَ الدُّنْيَا، وَطُولَ الْأَمَلِ يَقْتَضِي مَحَبَّةَ الْبَقَاءِ فِيهَا، فَمَنْ قَصُرَ أَمَلُهُ، فَقَدْ كَرِهَ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا نِهَايَةُ الزُّهْدِ فِيهَا، وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عُيَيْنَةَ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 94] إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] [الْبَقَرَةِ: 94 - 96] الْآيَةَ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادِهِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: «أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَزْهَدُ النَّاسِ؟ فَقَالَ: مِنْ لَمْ يَنْسَ الْقَبْرَ وَالْبِلَى، وَتَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، وَآثَرَ مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى، وَلَمْ يَعُدَّ غَدًا مِنْ أَيَّامِهِ وَعَدَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015