الْمُصِيبَةِ وَحَالُكَ إِذَا لَمْ تُصَبْ بِهَا سَوَاءً، وَأَنْ يَكُونَ مَادِحُكَ وَذَامُّكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً.

فَفَسَّرَ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ كُلُّهَا مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، لَا مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، وَلِهَذَا كَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ يَقُولُ: لَا تَشْهَدْ لِأَحَدٍ بِالزُّهْدِ، فَإِنَّ الزُّهْدَ فِي الْقَلْبِ.

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَهَذَا يَنْشَأُ مِنْ صِحَّةِ الْيَقِينِ وَقُوَّتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ ضِمِنَ أَرْزَاقَ عِبَادِهِ، وَتَكَفَّلَ بِهَا، كَمَا قَالَ: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] [هُودٍ: 6] ، وَقَالَ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] [الذَّارِيَاتِ: 22] ، وَقَالَ: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} [العنكبوت: 17] [الْعَنْكَبُوتِ: 17] .

وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ مِنْ ضَعْفِ يَقِينِكَ أَنْ تَكُونَ بِمَا فِي يَدِكَ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ أَرْجَى مَا أَكُونُ لِلرِّزْقِ إِذَا قَالُوا لَيْسَ فِي الْبَيْتِ دَقِيقٌ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا أَكُونُ ظَنًّا حِينَ يَقُولُ الْخَادِمُ: لَيْسَ فِي الْبَيْتِ قَفِيزٌ مِنْ قَمْحٍ وَلَا دِرْهَمٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَسَرُّ أَيَّامِي إِلَيَّ يَوْمٌ أُصْبِحُ وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ.

وَقِيلَ لِأَبِي حَازِمٍ الزَّاهِدِ: مَا مَالُكَ؟ قَالَ: لِي مَالَانِ لَا أَخْشَى مَعَهُمَا الْفَقْرَ: الثِّقَةُ بِاللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ.

وَقِيلَ لَهُ: أَمَا تَخَافُ الْفَقْرَ؟ فَقَالَ: أَنَا أَخَافُ الْفَقْرَ وَمَوْلَايَ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى؟ !

طور بواسطة نورين ميديا © 2015