وَخَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " ذَمِّ الدُّنْيَا " مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ بِكَارٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي إِسْنَادِهِ مَنْصُورًا وَلَا رِبْعِيًّا، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ مَا فِي يَدَيْكَ مِنَ الْحُطَامِ» .
وَقَدِ اشْتَمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى وَصِيَّتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ مُقْتَضٍ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِعَبْدِهِ. وَالثَّانِيَةُ: الزُّهْدُ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَإِنَّهُ مُقْتَضٍ لِمَحَبَّةِ النَّاسِ.
فَأَمَّا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا، فَقَدْ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَدْحِهِ، وَإِلَى ذَمِّ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا، قَالَ تَعَالَى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا - وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16 - 17] [الْأَعْلَى: 17] ، وَقَالَ تَعَالَى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: 67] [الْأَنْفَالِ: 67] وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ قَارُونَ: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ - وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 79 - 80] إِلَى قَوْلِهِ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83] [الْقَصَصِ: 79 - 83] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد: 26] [الرَّعْدِ: 26] وَقَالَ {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77] [النِّسَاءِ: 77] .
وَقَالَ حَاكِيًا عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: