مَعْفُوٌّ عَنْهُ. قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: قُلْتُ: لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي أَحْمَدَ -: إِنَّ أَصْحَابَ الطَّيْرِ يَذْبَحُونَ مِنَ الطَّيْرِ شَيْئًا لَا نَعْرِفُهُ، فَمَا تَرَى فِي أَكْلِهِ؟ فَقَالَ: كُلْ مَا لَمْ يَكُنْ ذَا مِخْلَبٍ أَوْ يَأْكُلُ الْجِيَفَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَحَصَرَ تَحْرِيمَ الطَّيْرِ فِي ذِي الْمِخْلَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْغُرَابِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَحَكَمَ بِإِبَاحَةِ مَا عَدَاهُمَا. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَحَدِيثُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ فِيهِ النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ عَنِ الْجُبْنِ وَالسَّمْنِ وَالْفِرَاءِ، فَإِنَّ الْجُبْنَ كَانَ يُصْنَعُ بِأَرْضِ الْمَجُوسِ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَكَذَلِكَ السَّمْنُ، وَكَذَلِكَ الْفِرَاءُ تُجْلَبُ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَذَبَائِحُهُمْ مَيْتَةٌ، وَهَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إِبَاحَةِ لَبَنِ الْمَيْتَةِ وَأَنْفِحَتِهَا، وَعَلَى إِبَاحَةِ طَعَامِ الْمَجُوسِ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَبَهَ الْأَمْرُ، لَمْ يَجِبِ السُّؤَالُ وَالْبَحْثُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِمَّا سُئِلَ عَنِ الْجُبْنِ الَّذِي يَصْنَعُهُ الْمَجُوسُ، فَقَالَ: مَا وَجَدْتُهُ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ اشْتَرَيْتُهُ وَلَمْ أَسْأَلْ عَنْهُ، وَذُكِرَ عِنْدَ عُمَرَ الْجُبْنَ وَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ يُصْنَعُ بِأَنَافِحَ الْمَيْتَةِ، فَقَالَ: سَمُّوا اللَّهَ وَكُلُوا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَصَحُّ حَدِيثٍ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ، يَعْنِي: جَبُنَ الْمَجُوسِ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجُبْنَةٍ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُصْنَعُ هَذِهِ؟ قَالُوا: بِفَارِسَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضَعُوا فِيهَا السِّكِّينَ وَاقْطَعُوا، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا» خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَسُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ.