جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَفْسُقْ، وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ سَابَّهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» .
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْغِيبَةُ تَخْرُقُ الصِّيَامَ، وَالِاسْتِغْفَارُ يَرْفَعُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِصَوْمٍ مُخَرَّقٍ فَلْيَفْعَلْ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: الصَّائِمُ إِذَا اغْتَابَ خُرِقَ، وَإِذَا اسْتَغْفَرَ رُقِّعَ.
وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ نَظَرٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرُقْهَا، قِيلَ: بِمَ يَخْرُقْهُ؟ قَالَ: بِكَذِبٍ أَوْ غِيبَةٍ» .
فَالْجُنَّةُ: هِيَ مَا يَسْتَجِنُّ بِهِ الْعَبْدُ، كَالْمِجَنِّ الَّذِي يَقِيهِ عِنْدَ الْقِتَالِ مِنَ الضَّرْبِ، فَكَذَلِكَ الصِّيَامُ يَقِي صَاحِبَهُ مِنَ الْمَعَاصِي فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] [الْبَقَرَةِ: 183] ، فَإِذَا كَانَ لَهُ جُنَّةٌ مِنَ الْمَعَاصِي، كَانَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جُنَّةٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَعَاصِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ جُنَّةٌ فِي الْآخِرَةِ مِنَ النَّارِ.
وَخَرَّجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا، قَالَ: «بَعَثَ اللَّهِ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ: وَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَصُومُوا، وَمَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ مَشَى إِلَى عَدُّوِهِ، وَقَدْ أَخَذَ لِلْقِتَالِ جُنَّةً، فَلَا يَخَافُ مِنْ حَيْثُ مَا أُتِيَ» . وَخَرَّجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا، وَفِيهِ قَالَ: الصِّيَامُ مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ انْتَصَرَهُ النَّاسُ، فَاسْتَحَدَّ فِي السِّلَاحِ، حَتَّى ظَنَّ أَنْ لَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سِلَاحُ الْعَدُوِّ، فَكَذَلِكَ الصِّيَامُ جَنَّةٌ.