وَمِنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّةَ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَهَذَا قَدْ صَارَ مِنْ سُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، فَإِنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَذَانُ الْجُمُعَةِ الْأَوَّلُ، زَادَهُ عُثْمَانُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَأَقَرَّهُ عَلِيٌّ، وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ بِدْعَةٌ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا أَرَادَ أَبُوهُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ.
وَمِنْ ذَلِكَ جَمْعُ الْمُصْحَفِ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ، تَوَقَّفَ فِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ، فَوَافَقَ عَلَى جَمْعِهِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِكِتَابَةِ الْوَحْيِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُكْتَبَ مُفَرَّقًا أَوْ مَجْمُوعًا، بَلْ جَمْعُهُ صَارَ أَصْلَحَ.
وَكَذَلِكَ جَمْعُ عُثْمَانَ الْأُمَّةَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ وَإِعْدَامُهُ لِمَا خَالَفَهُ خَشْيَةَ تَفَرُّقِ الْأُمَّةِ، وَقَدِ اسْتَحْسَنَهُ عَلِيٌّ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَيْنَ الْمَصْلَحَةِ.
وَكَذَلِكَ قِتَالُ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ تَوَقَّفَ فِيهِ عُمَرُ وَغَيْرُهُ حَتَّى بَيَّنَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ أَصْلَهُ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ، فَوَافَقَهُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْقَصَصِ، وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ: إِنَّهُ بِدْعَةٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْقَصَصُ بِدْعَةٌ، وَنِعْمَتِ الْبِدْعَةُ، كَمْ مِنْ دَعْوَةٍ مُسْتَجَابَةٍ، وَحَاجَةٍ مَقْضِيَّةٍ، وَأَخٍ مُسْتَفَادٍ. وَإِنَّمَا عَنَى هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ