هُوَ فِي مَقَامِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَتَى ضَعُفَ الْإِيمَانُ الْبَاطِنُ، لَزِمَ مِنْهُ ضَعْفُ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ أَيْضًا، لَكِنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ يَنْفِى عَمَّنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ وَاجِبَاتِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّةِ: هَلْ يُسَمَّى مُؤْمِنًا نَاقِصَ الْإِيمَانِ، أَوْ يُقَالُ: لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، لَكِنَّهُ مُسْلِمٌ، عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَمَّا اسْمُ الْإِسْلَامِ، فَلَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِ وَاجِبَاتِهِ، أَوِ انْتِهَاكِ بَعْضِ مُحَرَّمَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُنْفَى بِالْإِتْيَانِ بِمَا يُنَافِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنَ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ نَفْيُ الْإِسْلَامِ عَمَّنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ وَاجِبَاتِهِ، كَمَا يُنْفَى الْإِيمَانُ عَمَّنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ وَاجِبَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَرَدَ إِطْلَاقُ الْكُفْرِ عَلَى فِعْلِ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَإِطْلَاقُ النِّفَاقِ أَيْضًا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يُسَمَّى مُرْتَكِبُ الْكَبَائِرِ كَافِرًا كُفْرًا أَصْغَرَ أَوْ مُنَافِقًا النِّفَاقَ الْأَصْغَرَ، وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَجَازَ إِطْلَاقَ نَفْيِ اسْمِ الْإِسْلَامِ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا تَارِكُ الزَّكَاةِ بِمُسْلِمٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَرَاهُ كَافِرًا بِذَلِكَ، خَارِجًا مِنَ الْإِسْلَامِ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِيمَنْ تَمَكَّنَ مِنَ الْحَجِّ، وَلَمْ يَحُجَّ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ كُفْرَهُمْ، وَلِهَذَا أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ