فَجَعَلَ ذَلِكَ خَيْرًا، وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ الْأَجْرَ إِلَّا مَعَ نِيَّةِ الْإِخْلَاصِ. وَأَمَّا إِذَا فَعَلَهُ رِيَاءً، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ التَّرَدُّدِ إِذَا فَعَلَهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَلَا فَاسِدَةٍ. وَقَدْ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: مَنْ عَمِلَ عَمَلَ خَيْرٍ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَفَاهُ نِيَّةَ اخْتِيَارِهِ لِلْإِسْلَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ مُخْتَارٌ لِأَعْمَالِ الْخَيْرِ فِي الْجُمْلَةِ، فَيُثَابُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ مِنْهَا بِتِلْكَ النِّيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: " «أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ، أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ» ". هَذَا يُسَمَّى عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ قِيَاسُ الْعَكْسِ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً وَقُلْتُ أَنَا أُخْرَى، قَالَ: مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ، وَقُلْتُ: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» . وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الصَّدَقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مَالِيَّةً: مَا نَفْعُهُ قَاصِرٌ عَلَى فَاعِلِهِ، كَأَنْوَاعِ الذِّكْرِ: مِنَ التَّكْبِيرِ، وَالتَّسْبِيحِ، وَالتَّحْمِيدِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالِاسْتِغْفَارِ، وَكَذَلِكَ الْمَشْيُ إِلَى الْمَسَاجِدِ صَدَقَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَالْجِهَادَ أَنَّهُ صَدَقَةٌ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَاتِ الْمَالِيَّةِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذُكِرَ جَوَابًا لِسُؤَالِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ سَأَلُوهُ عَمَّا يُقَاوِمُ تَطَوُّعَ الْأَغْنِيَاءِ بِأَمْوَالِهِمْ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ، فَإِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُشْتَرِكِينَ فِيهَا. وَقَدْ تَكَاثَرَتِ النُّصُوصُ بِتَفْضِيلِ الذِّكْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْمَالِ وَغَيْرِهَا مِنَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015