لَوْ أَتَانِي آتٍ، فَأَخْبَرَنِي أَنْ لَا يُعَذِّبَنِي، لَاجْتَهَدْتُ فِي الْعِبَادَةِ، قِيلَ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: حَتَّى تَعْذِرَنِي نَفْسِي إِنْ دَخَلْتُ النَّارَ أَنْ لَا أَلُومَهَا، أَمَا بَلَغَكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2] ؟ [الْقِيَامَةِ: 2] إِنَّمَا لَامُوا أَنْفُسَهُمْ حِينَ صَارُوا إِلَى جَهَنَّمَ، فَاعْتَنَقَتْهُمُ الزَّبَانِيَةُ، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ، وَانْقَطَعَتْ عَنْهُمُ الْأَمَانِيُّ، وَرُفِعَتْ عَنْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَأَقْبَلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَلُومُ نَفْسَهُ. وَكَانَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قِيسٍ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَجْتَهِدَنَّ ثُمَّ وَاللَّهِ لَأَجْتَهِدَنَّ، فَإِنْ نَجَوْتُ فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَإِلَّا لَمْ أَلُمْ نَفْسِي. وَكَانَ زِيَادٌ مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ يَقُولُ لِابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَلِصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ: الْجِدَّ الْجِدَّ وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ، فَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا نَرْجُو كَانَ مَا عَمِلْتُمَا فَضْلًا، وَإِلَّا لَمْ تَلُومَا أَنْفُسَكُمَا. وَكَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: اجْتَهَدُوا فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نَرْجُو مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ، كَانَتْ لَنَا دَرَجَاتٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ شَدِيدًا كَمَا نَخَافُ وَنُحَاذِرُ، لَمْ نَقُلْ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] [فَاطِرٍ: 37] ، نَقُولُ: قَدْ عَمِلْنَا فَلَمْ يَنْفَعْنَا ذَلِكَ.