أَيْنَ يَقْصِدُ، فَرَجَعَ إِلَى بَابِ الدَّارِ، فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا أُمَّاهُ مَنْ يَفْتَحُ لِيَ الْبَابَ إِذَا أَغْلَقْتِ عَنِّي بَابَكِ؟ وَمَنْ يُدْنِينِي إِذَا طَرَدْتِينِي؟ وَمَنِ الَّذِي يُدْنِينِي إِذَا غَضِبْتِ عَلَيَّ؟ فَرَحِمَتْهُ أُمُّهُ، فَنَظَرَتْ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ، فَوَجَدَتْ وَلَدَهَا تَجْرِي الدُّمُوعُ عَلَى خَدَّيْهِ مُتَمَعِّكًا فِي التُّرَابِ، فَفَتَحَتِ الْبَابَ، وَأَخَذَتْهُ حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا وَجَعَلَتْ تُقَبِّلُهُ، وَتَقُولُ: يَا قُرَّةَ عَيْنِي، وَيَا عَزِيزَ نَفْسِي، أَنْتَ الَّذِي حَمَلْتَنِي عَلَى نَفْسِكَ، وَأَنْتَ الَّذِي تَعَرَّضْتَ لِمَا حَلَّ بِكَ، لَوْ كُنْتَ أَطَعْتَنِي لَمْ تَلْقَ مِنِّي مَكْرُوهًا، فَتَوَاجَدَ الْفَتَى، ثُمَّ قَامَ فَصَاحَ، وَقَالَ: قَدْ وَجَدْتُ قَلْبِي، قَدْ وَجَدْتُ قَلْبِي. وَتَفَكَّرُوا فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135] [آلِ عِمْرَانَ: 135] ، فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُذْنِبِينَ لَيْسَ لَهُمْ مَنْ يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ، وَيُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ فِي مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِمْ - غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118] [التَّوْبَةِ: 118] ، فَرَتَّبَ تَوْبَتَهُ عَلَيْهِمْ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا خَافَ مِنْ مَخْلُوقٍ، هَرَبَ مِنْهُ، وَفَرَّ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مِنَ اللَّهِ، فَمَا لَهُ مِنْ مَلْجَأٍ يَلْجَأُ إِلَيْهِ، وَلَا مَهْرَبٍ يَهْرُبُ إِلَيْهِ إِلَّا هُوَ، فَيَهْرُبُ مِنْهُ إِلَيْهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ «لَا مَلْجَأَ، وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ» " وَكَانَ يَقُولُ: " «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ» ".