مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ كَحَبِيبٍ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَصَدَّقَ بِوَزْنِهِ فِضَّةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ أَرْبَعًا، كَخَالِدٍ الطَّحَاوِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَنَا أَسِيرٌ أَسْعَى فِي فَكَاكِ رَقَبَتِي، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ بِقَدْرِ دِيَتِهِ، كَأَنَّهُ قَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَفْتَكُّهَا بِدِيَتِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا كَالْأَسِيرِ، يَسْعَى فِي فَكَاكِ رَقَبَتِهِ، لَا يَأْمَنُ شَيْئًا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ: ابْنُ آدَمَ، إِنَّكَ تَغْدُو وَتَرُوحُ فِي طَلَبِ الْأَرْبَاحِ، فَلْيَكُنْ هَمُّكَ نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَرْبَحَ مِثْلَهَا أَبَدًا. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: قَالَ لِي رَجُلٌ مَرَّةً وَأَنَا شَابٌّ: خَلِّصْ رَقَبَتَكَ مَا اسْتَطَعْتَ فِي الدُّنْيَا مِنْ رِقِّ الْآخِرَةِ، فَإِنَّ أَسِيرَ الْآخِرَةِ غَيْرُ مَفْكُوكٍ أَبَدًا، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا نَسِيتُهَا بَعْدُ. وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَبْكِي، وَيَقُولُ: لَيْسَ لِي نَفْسَانِ، إِنَّمَا لِي نَفْسٌ وَاحِدَةٌ، إِذَا ذَهَبَتْ لَمْ أَجِدْ أُخْرَى. وَقَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْجَنَّةَ ثَمَنًا لِأَنْفُسِكُمْ، فَلَا تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا. وَقَالَ: أَيْضًا مَنْ كَرُمَتْ نَفْسُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلدُّنْيَا عِنْدَهُ قَدْرٌ. وَقِيلَ لَهُ: مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ قَدْرًا؟ قَالَ: مَنْ لَمْ يَرَ الدُّنْيَا كُلَّهَا لِنَفْسِهِ خَطَرًا. وَأَنْشَدَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ: