وَقَدْ ذَكَرْنَا قَرِيبًا حَدِيثَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِيمَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ. وَسَبَبُ هَذَا أَنَّ الْمَالَ تُحِبُّهُ النُّفُوسُ وَتَبْخَلُ بِهِ، فَإِذَا سَمَحَتْ بِإِخْرَاجِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِهَا بِاللَّهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَلِهَذَا مَنَعَتِ الْعَرَبُ الزَّكَاةَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَنْعِهَا، وَالصَّلَاةُ أَيْضًا بُرْهَانٌ عَلَى صِحَّةِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ خَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصَّلَاةُ بُرْهَانٌ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي شَرْحِ حَدِيثِ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» أَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيْضًا أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِيمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا أَنَّهَا تَكُونُ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَإِنَّهُ ضِيَاءٌ، وَالضِّيَاءُ: هُوَ النُّورُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ نَوْعُ حَرَارَةٍ وَإِحْرَاقٍ كَضِيَاءِ الشَّمْسِ بِخِلَافِ الْقَمَرِ، فَإِنَّهُ نُورٌ مَحْضٌ، فِيهِ إِشْرَاقٌ بِغَيْرِ إِحْرَاقٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: 5] [يُونُسَ: 5] وَمِنْ هُنَا وَصَفَ اللَّهُ شَرِيعَةَ مُوسَى بِأَنَّهَا ضِيَاءٌ، كَمَا قَالَ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48] [الْأَنْبِيَاءِ: 48]