فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ إِثْبَاتُ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ كُلِّهَا، وَالتَّسْبِيحُ هُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ وَالْآفَاتِ، وَالْإِثْبَاتُ أَكْمَلُ مِنَ السَّلْبِ، وَلِهَذَا لَمْ يَرِدِ التَّسْبِيحُ مُجَرَّدًا، لَكِنْ مَقْرُونًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ الْكَمَالِ، فَتَارَةً يُقْرَنُ بِالْحَمْدِ، كَقَوْلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَتَارَةً بِاسْمٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ، كَقَوْلِهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، فَإِنْ كَانَ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ هُوَ مَجْمُوعُ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ، فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْلَأُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمِيزَانَ أَوْسَعُ مِمَّا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَمَا يَمْلَأُ الْمِيزَانَ فَهُوَ أَكْبَرُ مِمَّا يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَحَّ عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَوْ وُزِنَ فِيهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ لَوَسِعَتْ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبُّ لِمَنْ تَزِنُ هَذَا؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لِمَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ. وَخَرَّجَهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا وَصَحَّحَهُ، وَلَكِنَّ الْمَوْقُوفَ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالرَّجُلِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ وَحْدَهُ يَمْلَأُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ «التَّكْبِيرَ مَعَ التَّهْلِيلِ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُنَّ» . وَأَمَّا التَّهْلِيلُ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا قَالَ عَبْدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015