وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " «لَيْسَ عَدَوُّكَ الَّذِي إِذَا قَتَلَكَ أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ، وَإِذَا قَتَلْتَهُ كَانَ لَكَ نُورًا، أَعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ» ".

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي وَصِيَّتِهِ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ اسْتَخْلَفَهُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا أُحَذِّرُكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ.

فَهَذَا الْجِهَادُ يَحْتَاجُ أَيْضًا إِلَى صَبْرٍ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَى مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ وَشَيْطَانِهِ، غَلَبَهُ وَحَصَلَ لَهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ، وَمَلَكَ نَفْسَهُ، فَصَارَ عَزِيزًا مَلِكًا، وَمَنْ جَزَعَ وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى مُجَاهَدَةِ ذَلِكَ، غُلِبَ وَقُهِرَ وَأُسِرَ، وَصَارَ عَبْدًا ذَلِيلًا أَسِيرًا فِي يَدَيْ شَيْطَانِهِ وَهَوَاهُ، كَمَا قِيلَ:

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَغْلِبْ هَوَاهُ أَقَامَهُ ... بِمَنْزِلَةٍ فِيهَا الْعَزِيزُ ذَلِيلُ

قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَنْ صَبَرَ، فَمَا أَقَلَّ مَا يَصْبِرُ، وَمَنْ جَزَعَ فَمَا أَقَلَّ مَا يَتَمَتَّعُ.

فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ» " يَشْمَلُ النَّصْرَ فِي الْجِهَادَيْنِ: جِهَادِ الْعَدُوِّ الظَّاهِرِ، وَجِهَادِ الْعَدُوِّ الْبَاطِنِ، فَمَنْ صَبَرَ فِيهِمَا، نُصِرَ وَظَفِرَ بِعَدُوِّهِ، وَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ فِيهِمَا وَجَزِعَ، قُهِرَ وَصَارَ أَسِيرًا لِعَدُوِّهِ أَوْ قَتِيلًا لَهُ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ» " وَهَذَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى: 28] [الشُّورَى: 28] وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ» خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَخَرَّجَهُ ابْنُهُ عَبْدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015