إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ مِنْ مَقَادِيرِ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ، وَلَوِ اجْتَهَدَ عَلَى ذَلِكَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا.

وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51] [التَّوْبَةِ: 51] ، وَقَوْلِهِ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] [الْحَدِيدِ: 22] ، وَقَوْلِهِ: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154] [آلِ عِمْرَانَ: 154] .

وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ» .

وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ أَيْضًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ جَمِيعِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، فَهُوَ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ، وَرَاجِعٌ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَلِمَ أَنْ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَنَفْعٍ وَضُرٍّ، وَأَنَّ اجْتِهَادَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ عَلَى خِلَافِ الْمَقْدُورِ غَيْرُ مُفِيدٍ الْبَتَّةَ، عَلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الضَّارُّ النَّافِعُ، الْمُعْطِي الْمَانِعُ، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ تَوْحِيدَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِفْرَادَهُ بِالطَّاعَةِ، وَحِفْظَ حُدُودِهِ، فَإِنَّ الْمَعْبُودَ إِنَّمَا يَقْصِدُ بِعِبَادَتِهِ جَلْبَ الْمَنَافِعِ وَدَفْعَ الْمَضَارِّ، وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ مَنْ يَعْبُدُ مَنْ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ، وَلَا يُغْنِي عَنْ عَابِدِهِ شَيْئًا، فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ، وَلَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ غَيْرُ اللَّهِ، أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ إِفْرَادَهُ بِالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالسُّؤَالِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015