وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ حَيْثُ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مِنْ قَبْرِهِ، وَيَتَلَقَّاهُ مَلَكَاهُ اللَّذَانِ كَانَا مَعَهُ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ لَهُ: لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ، فَيُؤَمِّنُ اللَّهُ خَوْفَهُ، وَيُقِرُّ اللَّهُ عَيْنَهُ، فَمَا مِنْ عَظِيمَةٍ تَغْشَى النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ لِلْمُؤْمِنِ قُرَّةُ عَيْنٍ لِمَا هَدَاهُ اللَّهُ، وَلِمَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الدُّنْيَا.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ» هَذَا مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ، فَإِنَّ السُّؤَالَ هُوَ دُعَاؤُهُ وَالرَّغْبَةُ إِلَيْهِ.
وَالدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، كَذَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] [غَافِرٍ: 60] خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ» فَتَضَمَّنَ هَذَا الْكَلَامُ أَنْ يُسْأَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يُسْأَلَ غَيْرُهُ، وَأَنْ يُسْتَعَانَ بِاللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ، فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِمَسْأَلَتِهِ، فَقَالَ: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32] [النِّسَاءِ: 32] وَفِي " التِّرْمِذِيِّ " عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: " «سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ» ".