وَمِنْ عَجِيبِ حِفْظِ اللَّهِ لِمَنْ حَفِظَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُؤْذِيَةَ بِالطَّبْعِ حَافِظَةً لَهُ مِنَ الْأَذَى، كَمَا جَرَى لِسَفِينَةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كُسِرَ بِهِ الْمَرْكِبُ، وَخَرَجَ إِلَى جَزِيرَةٍ، فَرَأَى الْأَسَدَ، فَجَعَلَ يَمْشِي مَعَهُ حَتَّى دَلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَلَمَّا أَوْقَفَهُ عَلَيْهَا، جَعَلَ يُهَمْهِمْ كَأَنَّهُ يُوَدِّعُهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ.
وَرُئِيَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ نَائِمًا فِي بُسْتَانٍ وَعِنْدَهُ حَيَّةٌ فِي فَمِهَا طَاقَةُ نَرْجِسٍ، فَمَا زَالَتْ تَذُبُّ عَنْهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ.
وَعَكْسُ هَذَا أَنَّ مَنْ ضَيَّعَ اللَّهَ، ضَيَّعَهُ اللَّهُ، فَضَاعَ بَيْنَ خَلْقِهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ وَالْأَذَى مِمَّنْ كَانَ يَرْجُو نَفْعَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَغَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنِّي لَأَعْصِي اللَّهَ فَأَعْرِفُ ذَلِكَ فِي خُلُقِ خَادِمِي وَدَابَّتِي.
النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْحِفْظِ، وَهُوَ أَشْرَفُ النَّوْعَيْنِ: حِفْظُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ فِي دِينِهِ وَإِيمَانِهِ، فَيَحْفَظُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ الْمُضِلَّةِ، وَمِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَيَحْفَظُ عَلَيْهِ دِينَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَيَتَوَفَّاهُ عَلَى الْإِيمَانِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا حَضَرَ الرَّجُلَ الْمَوْتُ يُقَالُ لِلْمَلَكِ: شَمَّ رَأْسَهُ، قَالَ: أَجِدُ فِي رَأْسِهِ الْقُرْآنَ، قَالَ: شَمَّ قَلْبَهُ، قَالَ: أَجِدُ فِي قَلْبِهِ الصِّيَامَ، قَالَ: شَمَّ قَدَمَيْهِ قَالَ: أَجِدُ فِي قَدَمَيْهِ الْقِيَامَ قَالَ: حَفِظَ نَفْسَهُ، فَحَفِظَهُ اللَّهُ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " «عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ