لَمْ يَتُبْ ظَالِمًا، وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ فَرْضٌ، وَالْفَرَائِضُ لَا تُؤَدَّى إِلَّا بِنِيَّةٍ وَقَصْدٍ، وَلَوْ كَانَتِ الْكَبَائِرُ تَقَعُ مُكَفَّرَةً بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، وَأَدَاءِ بَقِيَّةِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّوْبَةِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَيْضًا فَلَوْ كُفِّرَتِ الْكَبَائِرُ بِفِعْلِ الْفَرَائِضِ، لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ ذَنْبٌ يَدْخُلُ بِهِ النَّارَ إِذَا أَتَى بِالْفَرَائِضِ، وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ الْمُرْجِئَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ " التَّمْهِيدِ " وَحَكَى إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا تُكَفِّرُهَا هَذِهِ الْفَرَائِضُ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا - عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ - أَنَّ اجْتِنَابَ الْكَبَائِرِ شَرْطٌ لِتَكْفِيرِ هَذِهِ الْفَرَائِضِ لِلصَّغَائِرِ، فَإِنْ لَمْ تُجْتَنَبْ، لَمْ تُكَفِّرْ هَذِهِ الْفَرَائِضُ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ مُطْلَقًا، وَلَا تُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ وَإِنْ وُجِدَتْ، لَكِنْ بِشَرْطِ التَّوْبَةِ مِنَ الصَّغَائِرِ، وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا، وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ، وَحَكَاهُ عَنِ الْحُذَّاقِ. وَقَوْلُهُ: بِشَرْطِ التَّوْبَةِ مِنَ الصَّغَائِرِ، وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا، مُرَادُهُ أَنَّهُ إِذَا أَصَرَّ عَلَيْهَا، صَارَتْ كَبِيرَةً، فَلَمْ تُكَفِّرْهَا الْأَعْمَالُ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي حَكَاهُ غَرِيبٌ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ حُكِيَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِثْلُهُ.