فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَهَلْ يَقَعُ بِذَلِكَ الطَّلَاقُ فِي الْبَاطِنِ كَمَا لَوْ نَوَاهُ، أَمْ يَلْزَمُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ فَقَطْ؟ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ أَيْضًا، وَلَوْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِكِنَايَةٍ ظَاهِرَةٍ، كَالْبَتَّةِ وَنَحْوِهَا، فَهَلْ يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ أَوْ وَاحِدَةٌ؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ مَعَ إِطْلَاقِ النِّيَّةِ، فَإِنْ نَوَى بِهِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَقَعَ بِهِ مَا نَوَاهُ، وَحُكِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ أَيْضًا. وَلَوْ رَأَى امْرَأَةً، يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ، فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ بَانَتْ أَجْنَبِيَّةً، طُلِّقَتِ امْرَأَتُهُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ، وَحُكِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَكْسُ، بِأَنْ رَأَى امْرَأَةً ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً، فَطَلَّقَهَا، فَبَانَتِ امْرَأَتَهُ، فَهَلْ تُطَلَّقُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ، عَنْ أَحْمَدَ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ. وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَنَهَى إِحْدَاهُمَا عَنِ الْخُرُوجِ، ثُمَّ رَأَى امْرَأَةً قَدْ خَرَجَتْ، فَظَنَّهَا الْمَنْهِيَّةَ، فَقَالَ لَهَا: فُلَانَةُ خَرَجْتِ؟ أَنْتِ طَالِقٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا، فَقَالَ: الْحَسَنُ تُطَلَّقُ الْمَنْهِيَّةُ، لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي نَوَاهَا، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: تُطَلَّقَانِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا تُطَلَّقُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ: أَنَّهُ تُطَلَّقُ الْمَنْهِيَّةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ نَوَى طَلَاقَهَا. وَهَلْ تُطَلَّقُ الْمُوَاجَهَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تُطَلَّقُ: هَلْ تُطَلَّقُ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ، أَمْ فِي الْبَاطِنِ أَيْضًا؟ عَلَى طَرِيقَتَيْنِ لَهُمْ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا فِي الْبَاطِنِ التَّوَصُّلُ إِلَى مَا هُوَ مُحَرَّمٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، كَعُقُودِ الْبُيُوعِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا مَعْنَى الرِّبَا وَنَحْوِهَا، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ إِنَّمَا نَوَى بِهِ الرِّبَا لَا الْبَيْعَ " «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ". وَمَسَائِلُ النِّيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفِقْهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ.