وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْنَ آدَمَ إِنْ كُنْتَ حَيْثُ رَكِبْتَ الْمَعْصِيَةَ لَمْ تَصْفُ لَكَ مِنْ عَيْنٍ نَاظِرَةٍ إِلَيْكَ، فَلَمَّا خَلَوْتَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ صَفَتْ لَكَ مَعْصِيَتُهُ، وَلَمْ تَسْتَحْيِ مِنْهُ حَيَاءَكَ مِنْ بَعْضِ خَلْقِهِ، مَا أَنْتَ إِلَّا أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِنْ كُنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لَا يَرَاكَ، فَقَدْ كَفَرْتَ، وَإِنْ كُنْتَ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَرَاكَ فَلَمْ يَمْنَعْكَ مِنْهُ مَا مَنَعَكَ مِنْ أَضْعَفِ خَلْقِهِ لَقَدِ اجْتَرَأْتَ عَلَيْهِ. دَخَلَ بَعْضُهُمْ غَيْضَةً ذَاتَ شَجَرٍ، فَقَالَ: لَوْ خَلَوْتُ هَاهُنَا بِمَعْصِيَةِ مَنْ كَانَ يَرَانِي؟ فَسَمِعَ هَاتِفًا بِصَوْتٍ مَلَأَ الْغَيْضَةَ: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] [الْمُلْكِ: 14] . رَاوَدَ بَعْضُهُمْ أَعْرَابِيَّةً، وَقَالَ لَهَا: مَا يَرَانَا إِلَّا الْكَوَاكِبُ، قَالَتْ: أَيْنَ مُكَوْكِبُهَا؟ . رَأَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ رَجُلًا وَاقِفًا مَعَ امْرَأَةٍ يُكَلِّمُهَا فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَرَاكُمَا سَتَرَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمَا. وَقَالَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ: الْمُرَاقَبَةُ عِلْمُ الْقَلْبِ بِقُرْبِ الرَّبِّ. وَسُئِلَ الْجُنَيْدُ بِمَ يُسْتَعَانُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ، قَالَ بِعِلْمِكَ أَنَّ نَظَرَ اللَّهِ إِلَيْكَ أَسْبَقُ مِنْ نَظَرِكَ إِلَى مَا تَنْظُرُهُ. وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُنْشِدُ:
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ ... خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَغْفُلُ سَاعَةً ... وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ
وَكَانَ ابْنُ السَّمَّاكِ يُنْشِدُ