فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ جَامِعَةٌ لِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَالتَّقْوَى وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131] [النِّسَاءِ: 131] . وَأَصْلُ التَّقْوَى أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَخَافُهُ وَيَحْذَرُهُ وِقَايَةً تَقِيهِ مِنْهُ، فَتَقْوَى الْعَبْدِ لِرَبِّهِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَخْشَاهُ مِنْ رَبِّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَسُخْطِهِ وَعِقَابِهِ وِقَايَةً تَقِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِعْلُ طَاعَتِهِ وَاجْتِنَابُ مَعَاصِيهِ. وَتَارَةً تُضَافُ التَّقْوَى إِلَى اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المائدة: 96] [الْمَائِدَةِ: 96] ، وَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18] [الْحَشْرِ: 18] ، فَإِذَا أُضِيفَتِ التَّقْوَى إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَالْمَعْنَى: اتَّقُوا سُخْطَهُ وَغَضَبَهُ، وَهُوَ أَعْظَمُ مَا يُتَّقَى، وَعَنْ ذَلِكَ يَنْشَأُ عِقَابُهُ الدُّنْيَوِيُّ وَالْأُخْرَوِيُّ، قَالَ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] [آلِ عِمْرَانَ: 28] ، وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56] [الْمُدَّثِّرِ: 56] ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَهْلٌ أَنْ يُخْشَى وَيُهَابَ وَيُجَلَّ وَيُعَظَّمَ فِي صُدُورِ عِبَادِهِ حَتَّى يَعْبُدُوهُ وَيُطِيعُوهُ، لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْإِجْلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَصِفَاتِ الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَقُوَّةِ الْبَطْشِ، وَشِدَّةِ الْبَأْسِ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ، «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56] [الْمُدَّثِّرِ: 56] قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى، فَمَنِ اتَّقَانِي فَلَمْ يَجْعَلْ مَعِي إِلَهًا آخَرَ، فَأَنَا أَهْلٌ أَنْ أَغْفِرَ لَهُ» .