تَغَلَّظَ، وَحَمَلَ النَّهْيَ عَنِ الْمُثْلَةِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْقِصَاصِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ، وَقَدْ خَرَّجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: «أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَتَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَافْعَلُوا فَفَعَلُوا فَصَحُّوًا، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرِّعَاءِ، فَقَتَلُوهُمْ، وَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَبَعَثَ فِي أَثَرِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «وَسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: «قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسائِيِّ: وَصَلَبَهُمْ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَجْهِ عُقُوبَةِ هَؤُلَاءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ فَارْتَدَّ، وَحَارَبَ، وَأَخَذَ الْمَالَ، صُنِعَ بِهِ كَمَا صُنِعَ بِهَؤُلَاءِ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ طَائِفَةٍ، مِنْهُمْ أَبُو قِلَابَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّمْثِيلِ مِمَّنْ تَغَلَّظَتْ جَرَائِمُهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنِ التَّمْثِيلِ فِي الْقِصَاصِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ نُسِخَ مَا فَعَلَ بِالْعُرَنِيِّينَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ وَآيَةِ الْمُحَارَبَةِ، ثُمَّ نُسِخَ بِذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ إِنَّمَا كَانَ بِآيَةِ الْمُحَارَبَةِ، وَلَمْ يُنْسَخْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015