الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً» . فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ كُفْرٍ، أَوْ رِدَّةٍ، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا أَنَّ الْغَضْبَانَ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا يَقَعُ مِنَ الْغَضْبَانِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتَاقٍ، أَوْ يَمِينٍ، فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَفِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ "، «عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهَا رَاجَعَتْ زَوْجَهَا، فَغَضِبَ، فَظَاهَرَ مِنْهَا وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ وَضَجِرَ، وَأَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَتْ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الظِّهَارِ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ» فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَخَرَّجَهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: «أَنْ خُوَيْلَةَ غَضِبَ زَوْجُهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، وَقَالَتْ: إِنَّهُ لَمْ يُرِدِ الطَّلَاقَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَرَاكِ إِلَّا حَرُمْتِ عَلَيْهِ» ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، وَفِي آخِرِهَا، قَالَ: فَحَوَّلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ، فَجَعَلَهُ ظِهَارًا. فَهَذَا الرَّجُلُ ظَاهَرَ فِي حَالِ غَضَبِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى حِينَئِذٍ أَنَّ الظِّهَارَ طَلَاقٌ، وَقَدْ قَالَ: إِنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، يَعْنِي: لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، فَلَمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ ظِهَارًا مُكَفَّرًا أَلْزَمَهُ بِالْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَلْغِهِ. وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي ثَلَاثًا وَأَنَا