وَفِي هَذَا الْمَعْنَى جَاءَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ «سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَعْمَلُ الْعَمَلَ لِلَّهِ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وَخَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعِنْدَهُ: «الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ لِلَّهِ فَيُحِبُّهُ النَّاسُ عَلَيْهِ» . وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَسَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ، فَيَسُرُّهُ، فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ، أَعْجَبَهُ، فَقَالَ: لَهُ أَجْرَانِ: أَجْرُ السِّرِّ، وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ» . وَلْنَقْتَصِرَ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَالرِّيَاءِ، فَإِنَّ فِيهِ كِفَايَةً. وَبِالْجُمْلَةِ، فَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ: لَيْسَ عَلَى النَّفْسِ شَيْءٌ أَشَقَّ مِنَ الْإِخْلَاصِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا فِيهِ نَصِيبٌ. وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّازِيُّ: أَعَزُّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا الْإِخْلَاصُ، وَكَمْ أَجْتَهِدُ فِي إِسْقَاطِ الرِّيَاءِ عَنْ قَلْبِي، وَكَأَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهِ عَلَى لَوْنٍ آخَرَ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تُبْتُ إِلَيْكَ مِنْهُ، ثُمَّ عُدْتُ فِيهِ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا جَعَلْتُهُ لَكَ عَلَى نَفْسِي، ثُمَّ لَمْ أَفِ لَكَ بِهِ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا زَعَمْتُ أَنِّي أَرَدْتُ بِهِ وَجْهَكَ، فَخَالَطَ قَلْبِي مِنْهُ مَا قَدْ عَلِمْتَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015