يَلْحَقُ بِتَارِكِ الدِّينِ فِي الْقَتْلِ، لِكَوْنِهِ تَرَكَ أَحَدَ مَبَانِي الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الدِّينِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي قَتْلِ الدَّاعِيَةِ إِلَى الْبِدَعِ، فَإِنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْخُرُوجِ عَنِ الدِّينِ، وَهُوَ ذَرِيعَةٌ وَوَسِيلَةٌ إِلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَخْفَى بِذَلِكَ وَلَمْ يَدْعُ غَيْرَهُ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُنَافِقِينَ إِذَا اسْتَخَفُّوا، وَإِذَا دَعَا إِلَى ذَلِكَ، تَغَلَّظَ جُرْمُهُ بِإِفْسَادِ دِينِ الْأُمَّةِ. وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْرُ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ وَقَتْلِهِمْ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهِمْ.
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمْ كُفَّارٌ، فَيَكُونُ قَتْلُهُمْ لِكُفْرِهِمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا يُقْتَلُونَ لِفَسَادِهِمْ فِي الْأَرْضِ بِسَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَتَكْفِيرِهِمْ لَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَجَازُوا الِابْتِدَاءَ بِقِتَالِهِمْ، وَالْإِجْهَازَ عَلَى جَرِيحِهِمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنْ دَعَوْا إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، قُوتِلُوا، وَإِنْ أَظْهَرُوهُ وَلَمْ يَدْعُوا إِلَيْهِ لَمْ يُقَاتَلُوا، وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى قِتَالِ مَنْ دَعَا إِلَى بِدْعَةٍ مُغَلَّظَةٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَ الْبَدَاءَةَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَبْدَءُوا بِقِتَالٍ يُبِيحُ قِتَالَهُمْ مِنْ سَفْكِ دِمَاءٍ وَنَحْوِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا.