إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ: زِنًى بَعْدَ إِحْصَانٍ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ، وَرَجُلٍ خَرَجَ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ، أَوْ يَقْتُلُ نَفْسًا فَيُقْتَلُ بِهَا» .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الْحِرَابُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ مُطْلَقًا، كَمَا يَقُولُهُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَالرِّوَايَةُ الْأَوْلَى قَدْ تُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِخُرُوجِهِ عَنِ الْإِسْلَامِ خُرُوجُهُ عَنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَيَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ آيَةَ الْمُحَارَبَةِ تَخْتَصُّ بِالْمُرْتَدِّينَ، فَمَنِ ارْتَدَّ وَحَارَبَ، فُعِلَ بِهِ مَا فِي الْآيَةِ، وَمَنْ حَارَبَ مِنْ غَيْرِ رِدَّةٍ، أُقِيمَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقِصَاصِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ لَكِنَّهَا غَيْرُ مَشْهُورَةٍ عَنْهُ، وَكَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ آيَةَ الْمُحَارَبَةِ تُخْتَصُّ بِالْمُرْتَدِّينَ، مِنْهُمْ أَبُو قِلَابَةَ وَغَيْرُهُ.
وَبِكُلِّ حَالٍ، فَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَلْفَاظُهُ مُخْتَلِفَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا مَرْفُوعًا، وَرُوِيَ عَنْهَا مَوْقُوفًا، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَفْظُهُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَهُوَ ثَابِتٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَكِنْ يُقَالُ عَلَى هَذَا: إِنَّهُ قَدْ وَرَدَ قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ إِحْدَى هَذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ: فَمِنْهَا فِي اللِّوَاطِ، وَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» وَأَخَذَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَقَالُوا: إِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ بِكُلِّ حَالٍ، مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِأَرْبَعٍ، فَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَزَادَ: وَرَجُلٍ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ.