إِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، فَنَعَمْ هَذَا يُشْبِهُ ذَاكَ.
وَإِنَّمَا أَنْكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِمَّنْ لَا يُشْبِهُ حَالُهُ، وَأَمَّا أَهْلُ التَّدْقِيقِ فِي الْوَرَعِ فَيُشْبِهُ حَالُهُمْ هَذَا، وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ نَفْسُهُ يَسْتَعْمِلُ فِي نَفْسِهِ هَذَا الْوَرَعَ، فَإِنَّهُ أَمَرَ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ سَمْنًا، فَجَاءَ بِهِ عَلَى وَرَقَةٍ فَأَمَرَ بِرَدِّ الْوَرَقَةِ إِلَى الْبَائِعِ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَسْتَمِدُّ مِنْ مَحَابِرِ أَصْحَابِهِ، وَإِنَّمَا يُخْرِجُ مَعَهُ مَحْبَرَتَهُ يَسْتَمِدُّ مِنْهَا، وَاسْتَأْذَنَهُ رَجُلٌ أَنْ يَكْتُبَ مِنْ مَحْبَرَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ فَهَذَا وَرَعٌ مُظْلِمٌ، وَاسْتَأْذَنَهُ آخَرُ فِي ذَلِكَ فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْ وَرَعِي وَلَا وَرَعُكَ هَذَا، وَهَذَا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ التَّوَاضُعِ وَإِلَّا فَهُوَ كَانَ فِي نَفْسِهِ يَسْتَعْمِلُ هَذَا الْوَرَعَ، وَكَانَ يُنْكِرُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى هَذَا الْمَقَامِ، بَلْ يَتَسَامَحُ فِي الْمَكْرُوهَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَيُقْدِمُ عَلَى الشُّبُهَاتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «فَإِنَّ الْخَيْرَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الشَّرَّ رِيبَةٌ» " يَعْنِي: أَنَّ الْخَيْرَ تَطْمَئِنُّ بِهِ الْقُلُوبُ، وَالشَّرَّ تَرْتَابُ بِهِ، وَلَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْقُلُوبِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَخَرَّجَ ابْنُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: